سورة النساء - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
أعلم أنه تعالى لما شرط حصول النجاة والفوز بالجنة بكون الإنسان مؤمناً شرح الإيمان وبين فضله من وجهين:
أحدهما: أنه الدين المشتمل على إظهار كمال العبودية والخضوع والانقياد لله تعالى، والثاني: وهو أنه الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكل واحد من هذين الوجهين سبب مستقل بالترغيب في دين الإسلام.
أما الوجه الأول: فأعلم أن دين الإسلام مبين على أمرين: الاعتقاد والعمل: أما الاعتقاد فإليه الإشارة بقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ} وذلك لأن الإسلام هو الانقياد والخضوع. والوجه أحسن أعضاء الإنسان، فالإنسان إذا عرف بقلبه ربه وأقر بربوبيته وبعبودية نفسه فقد أسلم وجهه لله، وأما العمل فإليه الإشارة بقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} ويدخل فيه فعل الحسنات وترك السيئات، فتأمل في هذه اللفظة المختصرة واحتوائها على جميع المقاصد والأغراض، وأيضاً فقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} يفيد الحصر، معناه أنه أسلم نفسه لله وما أسلم لغير الله وهذا تنبيه على أن كمال الإيمان لا يحصل إلا عند تفويض جميع الأمور إلى الخالق وأظهار التبري من الحول والقوة، وأيضاً ففيه تنبيه على فساد طريقة من استعان بغير الله، فإن المشركين كانوا يستعينون بالأصنام ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والدهرية والطبيعيون يستعينون بالأفلاك والكواكب والطبائع وغيرها، واليهود كانوا يقولون في دفع عقاب الآخرة عنهم: أنهم من أولاد الأنبياء، والنصارى كانوا يقولون: ثالث ثلاثة، فجميع الفرق قد استعانوا بغير الله.
وأما المعتزلة فهم في الحقيقة ما أسلمت وجوههم لله لأنهم يرون الطاعة الموجبة لثوابهم من أنفسهم، وأما أهل السنة الذين فوضوا التدبير والتكوين والإبداع والخلق إلى الحق سبحانه وتعالى، واعتقدوا أنه لا موجد ولا مؤثر إلا لله فهم الذين أسلموا وجوههم لله وعولوا بالكلية على فضل الله، وانقطع نظرهم عن كل شيء ما سوى الله.
وأما الوجه الثاني في بيان فضيلة الإسلام: وهو أن محمداً عليه الصلاة والسلام إنما دعا الخلق إلى دين إبراهيم عليه السلام، فلقد اشتهر عند كل الخلق أن إبراهيم عليه السلام ما كان يدعو إلا إلى الله تعالى كما قال: {إِنَّنِى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 19] وما كان يدعو إلى عبادة فلك ولا طاعة كوكب ولا سجدة صنم ولا استعانة بطبيعة، بل كان دينه الدعوة إلى الله والإعراض عن كل ما سوى الله ودعوة محمد عليه الصلاة والسلام قد كان قريباً من شرع إبراهيم عليه السلام في الختان وفي الأعمال المتعلقة بالكعبة: مثل الصلاة إليها والطواف بها والسعي والرمي والوقوف والحلق والكلمات العشر المذكورة في قوله: {وَإِذَا ابتلى إبراهيم رَبُّهُ} [البقرة: 124] ولما ثبت أن شرع محمد عليه الصلاة والسلام كان قريباً من شرع إبراهيم ثم إن شرع إبراهيم مقبول عند الكل، وذلك لأن العرب لا يفتخرون بشيء كافتخارهم بالانتساب إلى إبراهيم، وأما اليهود والنصارى فلا شك في كونهم مفتخرين به، وإذا ثبت هذا لزم أن يكون شرع محمد مقبولاً عند الكل.
وأما قوله: {حَنِيفاً} ففيه بحثان: الأول: يجوز أن يكون حالاً للمتبوع، وأن يكون حالاً للتابع، كما إذا قلت: رأيت راكباً، فإنه يجوز أن يكون الراكب حالاً للمرئي والرائي.
البحث الثاني: الحنيف المائل، ومعناه أنه مائل عن الأديان كلها، لأن ما سواه باطل، والحق أنه مائل عن كل ظاهر وباطن، وتحقيق الكلام فيه أن الباطل وإن كان بعيداً من الباطل الذي يضاده فقد يكون قريباً من الباطل الذي يجانسه، وأما الحق فإنه واحد فيكون مائلاً عن كل ما عداه كالمركز الذي يكون في غاية البعد عن جميع أجزاء الدائرة.
فإن قيل: ظاهر هذه الآية يقتضي أن شرع محمد عليه الصلاة والسلام نفس شرع إبراهيم، وعلى هذا التقدير لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام صاحب شريعة مستقلة، وأنتم لا تقولون بذلك.
قلنا: يجوز أن تكون ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد عليه الصلاة والسلام مع اشتمال هذه الملة على زوائد حسنة وفوائد جليلة.
ثم قال تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها، وفيه وجهان:
الأول: أن إبراهيم عليه السلام لما بلغ في علو الدرجة في الدين أن اتخذه الله خليلاً كان جديراً بأن يتبع خلقه وطريقته.
والثاني: أنه لما ذكر ملة إبراهيم ووصفه بكونه حنيفاً ثم قال عقيبه {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} أشعر هذا بأنه سبحانه إنما اتخذه خليلاً لأنه كان عالماً بذلك الشرع آتياً بتلك التكاليف، ومما يؤكد هذا قوله: {وَإِذَا ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنّى جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] وهذا يدل على أنه سبحانه إنما جعله إماماً للخلق لأنه أتم تلك الكلمات.
وإذ ثبت هذا فنقول: لما دلت الآية على أن إبراهيم عليه السلام إنما كان بهذا المنصب العالي وهو كونه خليلاً لله تعالى بسبب أنه كان عاملاً بتلك الشريعة كان هذا تنبيهاً على أن من عمل بهذا الشرع لابد وأن يفوز بأعظم المناصب في الدين، وذلك يفيد الترغيب العظيم في هذا الدين.
فإن قيل: ما موقع قوله: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً}
قلنا: هذه الجملة اعتراضية لا محل لها من الاعراب، ونظيره ما جاء في الشعر من قوله:
والحوادث جمة ***
والجملة الاعتراضية من شأنها تأكيد ذلك الكلام، والأمر هاهنا كذلك على ما بيناه.
المسألة الثانية: ذكروا في اشتقاق الخليل وجوهاً: الأول: أن خليل الإنسان هو الذي يدخل في خلال أموره وأسراره، والذي دخل حبه في خلال أجزاء قلبه، ولا شك أن ذلك هو الغاية في المحبة.
قيل: لما أطلع الله إبراهيم عليه السلام على الملكوت الأعلى والأسفل ودعا القوم مرة بعد أخرى إلى توحيد الله، ومنعهم عن عبادة النجم والقمر والشمس، ومنعهم عن عبادة الأوثان ثم سلم نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان جعله الله إماماً للخلق ورسولاً إليهم، وبشره بأن الملك والنبوة في ذريته، فلهذه الاختصاصات سماه خليلاً، لأن محبة الله لعبده عبارة عن إرادته لإيصال الخيرات والمنافع إليه.
الوجه الثاني في اشتقاق اسم الخليل: أنه الذي يوافقك في خلالك. أقول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تخلقوا بأخلاق الله» فيشبه أن إبراهيم عليه السلام لما بلغ في هذا الباب مبلغاً لم يبلغه أحد ممن تقدم لا جرم خصه الله بهذا التشريف.
الوجه الثالث: قال صاحب الكشاف: إن الخليل هو الذي يسايرك في طريقك، من الخل وهو الطريق في الرمل، وهذا الوجه قريب من الوجه الثاني، أو يحمل ذلك على شدة طاعته لله وعدم تمرده في ظاهره وباطنه عن حكم الله، كما أخبر الله عنه بقوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين} [البقرة: 131].
الوجه الرابع: الخليل هو الذي يسد خللك كما تسد خلله، وهذا القول ضعيف لأن إبراهيم عليه السلام لما كان خليلاً مع الله امتنع أن يقال: إنه يسد الخلل، ومن هاهنا علمنا أنه لا يمكن تفسير الخليل بذلك، أما المفسرون فقد ذكروا في سبب نزول هذا اللقب وجوها: الأول: أنه لما صار الرمل الذي أتى به غلمانه دقيقاً قالت امرأته: هذا من عند خليلك المصري، فقال إبراهيم: بل هو من خليلي الله، والثاني: قال شهر بن حوشب: هبط ملك في صورة رجل وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي فقال إبراهيم عليه السلام: اذكره مرة أخرى، فقال لا أذكره مجاناً، فقال لك مالي كله، فذكره الملك بصوت أشجى من الأول، فقال: اذكره مرة ثالثة ولك أولادي، فقال الملك: أبشر فإني ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك، وإنما كان المقصود امتحانك، فلما بذل المال والأولاد على سماع ذكر الله لا جرم اتخذه الله خليلاً.
الثالث: روى طاوس عن ابن عباس أن جبريل والملائكة لما دخلوا على إبراهيم في صورة غلمان حسان الوجوه وظن الخليل أنهم أضيافه وذبح لهم عجلاً سميناً وقربه إليهم وقال كلوا على شرط أن تسموا الله في أوله وتحمدوه في آخره، فقال جبريل أنت خليل الله، فنزل هذا الوصف.
وأقول: فيه عندي وجه آخر، وهو أن جوهر الروح إذا كان مضيئاً مشرقاً علوياً قليل التعلق باللذات الجسمانية والأحوال الجسدانية، ثم انضاف إلى مثل هذا الجوهر المقدس الشريف أعمال تزيده صقالة عن الكدورات الجسمانية وأفكار تزيده استنارة بالمعارف القدسية والجلايا الإلهية، صار مثل هذا الإنسان متوغلاً في عالم القدس والطهارة متبرئاً عن علائق الجسم والحس، ثم لا يزال هذا الإنسان يتزايد في هذه الأحوال الشريفة إلى أن يصير بحيث لا يرى إلاّ الله، ولا يسمع إلاّ الله، ولا يتحرك إلاّ بالله، ولا يسكن إلاّ بالله، ولا يمشي إلا بالله، فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها وغاص في جواهرها، وتوغل في ماهياتها، فمثل هذا الإنسان هو الموصوف حقاً بأنه خليل لما أنه تخللت محبة الله في جميع قواه، وإليه الإشارة بقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه:
اللّهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي عصبي نوراً.
المسألة الثالثة: قال بعض النصارى: لما جاز إطلاق اسم الخليل على إنسان معين على سبيل الاعزاز والتشريف، فلم لا يجوز إطلاق اسم الابن في حق عيسى عليه السلام على سبيل الاعزاز والتشريف.
وجوابه: أن الفرق أن كونه خليلاً عبارة عن المحبة المفرطة، وذلك لا يقتضي الجنسية، أما الابن فإنه مشعر بالجنسية، وجلّ الإله عن مجانسة الممكنات ومشابهة المحدثات.
ثم قال تعالى: {وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَكَانَ الله بِكُلّ شَيء مُّحِيطاً} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها، وفيه وجوه:
الأول: أن يكون المعنى أنه لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً لاحتياجه إليه في أمر من الأمور كما تكون خلة الآدميين، وكيف يعقل ذلك وله ملك السموات والأرض، وما كان كذلك، فكيف يعقل أن يكون محتاجاً إلى البشر الضعيف، وإنما اتخذه خليلاً بمحض الفضل والإحسان والكرم، ولأنه لما كان مخلصاً في العبودية لا جرم خصه الله بهذا التشريف، والحاصل أن كونه خليلاً يوهم الجنسية فهو سبحانه أزال وهم المجانسة والمشاكلة بهذا الكلام.
والثاني: أنه تعالى ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع أنواعاً كثيرة من الأمر والنهي والوعد والوعيد، فبيّن هاهنا أنه إله المحدثات وموجد الكائنات والممكنات، ومن كان كذلك كان ملكاً مطاعاً فوجب على كل عاقل أن يخضع لتكاليفه وأن ينقاد لأمره ونهيه.
الثالث: أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد ولا يمكن الوفاء بهما إلاّ عند حصول أمرين: أحدهما: القدرة التامة المتعلقة بجميع الكائنات والممكنات.
والثاني: العلم التام المتعلق بجميع الجزئيات والكليات حتى لا يشتبه عليه المطيع والعاصي والمحسن والمسيء، فدل على كمال قدرته بقوله: {وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} وعلى كمال علمه بقوله: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيء مُّحِيطاً} الرابع: أنه سبحانه لما وصف إبراهيم بأنه خليله بين أنه مع هذه الخلة عبد له، وذلك لأنه له ما في السموات وما في الأرض، ويجري هذا مجرى قوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السموات والأرض إِلاَّ آتِى الرحمن عَبْداً} [مريم: 93] ومجرى قوله: {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون} [النساء: 172] يعني أن الملائكة مع كمالهم في صفة القدرة والقوة في صفة العلم والحكمة لما لم يستنكفوا عن عبودية الله فكيف يمكن أن يستنكف المسيح مع ضعف بشريته عن عبودية اللها كذا هاهنا، يعني إذا كان كل من في السموات والأرض ملكه في تسخيره ونفاذ إلهيته فكيف يعقل أن يقال: إن اتخاذ الله إبراهيم عليه السلام خليلاً يخرجه عن عبودية الله، وهذه الوجوه كلها حسنة متناسبة.
المسألة الثانية: إنما قال: {مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} ولم يقل (من) لأنه ذهب مذهب الجنس، والذي يعقل إذا ذكر وأريد به الجنيس ذكر بما.
المسألة الثالثة: قوله: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيء محيطاً} فيه وجهان:
أحدهما: المراد منه الإحاطة في العلم.
والثاني: المراد منه الإحاطة بالقدرة، كما في قوله لعالى {وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} [الفتح: 21] قال القائلون بهذا القول: وليس لقائل أن يقول لما دل قوله: {وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} على كمال القدرة، فلو حملنا قوله: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيء مُّحِيطاً} على كمال القدرة لزم التكرار، وذلك لأنا نقول: إن قوله: {للَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} لا يفيد ظاهره إلاّ كونه تعالى قادراً مالكاً لكل ما في السموات وما في الأرض، ولا يفيد كونه قادراً على ما يكون خارجاً عنهما ومغايراً لهما، فلما قال: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيء مُّحِيطاً} دل على كونه قادراً على ما لا نهاية له من المقدورات خارجاً عن هذه السموات والأرض، على أن سلسلة القضاء والقدر في جميع الكائنات والممكنات إنما تنقطع بإيجاده وتكوينه وإبداعه، فهذا تقرير هذا القول، إلاّ أن القول الأول أحسن لما بينا أن الإلهية والوفاء بالوعد إنما يحصل ويكمل بمجموع القدرة والعلم، فلابد من ذكرهما معاً، وإنما قدم ذكر القدرة على ذكر العلم لما ثبت في علم الأصول أن العلم بالله هو العلم بكونه قادراً، ثم بعد العلم بكونه قادراً يعلم كونه عالماً لما أن الفعل بحدوثه يدل على القدرة، وبما فيه من الأحكام والإتقان يدل على العلم، ولا شك أن الأول مقدم على الثاني.


{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
اعلم أن عادة الله في ترتيب هذا الكتاب الكريم وقع على أحسن الوجوه وهو أنه يذكر شيئاً من الأحكام ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والترغيب والترهيب ويخلط بها آيات دالة على كبرياء الله وجلال قدرته وعظمة إلهيته. ثم يعود مرة أخرى إلى بيان الأحكام، وهذا أحسن أنواع الترتيب وأقربها إلى التأثير في القلوب، لأن التكليف بالأعمال الشاقة لا يقع في موقع القبول إلاّ إذا كان مقروناً بالوعد والوعيد، والوعد والوعيد لا يؤثر في القلب إلاّ عند القطع بغاية كمال من صدر عنه الوعد والوعيد، فظهر أن هذا الترتيب أحسن الترتيبات اللائقة بالدعوة إلى الدين الحق.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه سبحانه ذكر في أول هذه السورة أنواعاً كثيرة من الشرائع والتكاليف، ثم أتبعها بشرح أحوال الكافرين والمنافقين واستقصى في ذلك، ثم ختم تلك الآيات الدالة على عظمة جلال الله وكمال كبريائه، ثم عاد بعد ذلك إلى بيان الأحكام فقال: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النساء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي رحمه الله: الاستفتاء طلب الفتوى يقال: استفتيت الرجل في المسألة فأفتاني إفتاء وفتياً وفتوى، وهما إسمان موضوعان موضع الافتاء، ويقال: أفتيت فلاناً في رؤيا رآها إذا عبرها قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرات سِمَانٍ} [يوسف: 46] ومعنى الافتاء إظهار المشكل، وأصله من الفتى وهو الشاب الذي قوي وكمل، فالمعنى كأنه يقوى ببيانه ما أشكل ويصير قوياً فتياً.
المسألة الثانية: ذكروا في سبب نزول هذه الآية قولين: الأول: أن العرب كانت لا تورث النساء والصبيان شيئاً من الميراث كما ذكرنا في أول هذه السورة، فهذه الآية نزلت في توريثهم.
والثاني: أن الآية نزلت في توفية الصداق لهن، وكان اليتيمة تكون عند الرجل فإذا كانت جميلة ولها مال تزوج بها وأكل مالها، وإذا كانت دميمة منعها من الأزواج حتى تموت فيرثها، فأنزل الله هذه الآية.
المسألة الثالثة: اعلم أن الاستفتاء لا يقع عن ذوات النساء وإنما يقع عن حالة من أحوالهن وصفة من صفاتهن، وتلك الحالة غير مذكورة في الآية فكانت مجملة غير دالة على الأمر الذي وقع عنه الاستفتاء.
أما قوله تعالى: {وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ} ففيه أقوال: الأول: أنه رفع بالابتداء والتقدير: قل الله يفتيكم في النساء، والمتلو في الكتاب يفتيكم فيهن أيضاً، وذلك المتلو في الكتاب هو قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى} [النساء: 3].
وحاصل الكلام أنهم كانوا قد سألوا عن أحوال كثيرة من أحوال النساء، فما كان منها غير مبين الحكم ذكر أن الله يفتيهم فيها، وما كان منها مبين الحكم في الآيات المتقدمة ذكر أن تلك الآيات المتلوة تفتيهم فيها. وجعل دلالة الكتاب على هذا الحكم إفتاء من الكتاب، ألا ترى أنه يقال في المجاز المشهور: إن كتاب الله بيّن لنا هذا الحكم، وكما جاز هذا جاز أيضاً أن يقال: إن كتاب الله أفتى بكذا.
القول الثاني: أن قوله: {وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ} مبتدأ و{فِى الكتاب} خبره، وهي جملة معترضة، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ، والغرض منه تعظيم حال هذه الآية التي تتلى عليهم وأن العدل والإنصاف في حقوق اليتامى من عظائم الأمور عند الله تعالى التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها، والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله. ونظيره في تعظيم القرآن قوله: {وَإِنَّهُ فِي أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4].
القول الثالث: أنه مجرور على القسم، كأنه قيل: قل الله يفتيكم فيهن، وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب، والقسم أيضاً بمعنى التعظيم.
والقول الرابع: أنه عطف على المجرور في قوله: {فِيهِنَّ} والمعنى: قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء، قال الزجاج: وهذا الوجه بعيد جداً نظراً إلى اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأنه يقتضي عطف المظهر على المضمر، وذلك غير جائز كما شرحناه في قوله: {تَسَاءلُونَ بِهِ والأرحام} [النساء: 1] وأما المعنى فلأن هذا القول يقتضي أنه تعالى في تلك المسائل أفتى ويفتي أيضاً فيما يتلى من الكتاب، ومعلوم أنه ليس المراد ذلك، وإنما المراد أنه تعالى يفتي فيما سألوا من المسائل: بقي هاهنا سؤالان:
السؤال الأول: بم تعلق قوله: {فِى يتامى النساء}.
قلنا: هو في الوجه الأول صلة {يتلى} أي يتلى عليكم في معناهن، وأما في سائر الوجوه فبدل من {فِيهِنَّ}.
السؤال الثاني: الإضافة في {يتامى النساء} ما هي؟
الجواب: قال الكوفيون: معناه في النساء اليتامى، فأضيفت الصفة إلى الاسم، كما تقول: يوم الجمعة، وحق اليقين.
وقال البصريون: إضافة الصفة إلى الاسم غير جائز فلا يقال مررت بطالعة الشمس، وذلك لأن الصفة والموصوف شيء واحد، وإضافة الشيء إلى نفسه محال.
وهذا التعليل ضعيف لأن الموصوف قد يبقى بدون الوصف، وذلك يدل على أن الموصوف غير الصفة، ثم أن البصريين فرعوا على هذا القول وقالوا: النساء في الآية غير اليتامى، والمراد بالنساء أمهات اليتامى أضيفت إليهن أولادهن اليتامى، ويدل عليه أن الآية نزلت في قصة أم كحة، وكانت لها يتامى.
ثم قال: {اللاتى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ} قال ابن عباس: يريد ما فرض لهن من الميراث، وهذا على قول من يقول: نزلت الآية في ميراث اليتامى والصغار، وعلى قول الباقين المراد بقوله: {مَا كُتِبَ لَهُنَّ} الصداق.
ثم قال تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} قال أبو عبيدة: هذا يحتمل الرغبة والنفرة، فإن حملته على الرغبة كان المعنى: وترغبون في أن تنكحوهن، وإن حملته على النفرة كان المعنى: وترغبون عن أن تنكحوهن لدمامتهن.
واحتج أصحاب أبي حنيفة رحمه الله بهذه الآية على أنه يجوز لغير الأب والجد تزويج الصغيرة، ولا حجة لهم فيها لاحتمال أن يكون المراد: وترغبون أن تنكحوهن إذا بلغن، والدليل على صحة قولنا: أن قدامة بن مظعون زوج بنت أخيه عثمان بن مظعون من عبد الله بن عمر، فخطبها المغيرة بن شعبة ورغب أمها في المال، فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قدامة: أنا عمها ووصي أبيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها صغيرة وإنها لا تزوج إلاّ بإذنها»، وفرق بينها وبين ابن عمر، ولأنه ليس في الآية أكثر من ذكر رغبة الأولياء في نكاح اليتيمة، وذلك لا يدل على الجواز.
ثم قال تعالى: {والمستضعفين مِنَ الولدان} وهو مجرور معطوف على يتامى النساء كانوا في الجاهلية لا يورثون الأطفال ولا النساء، وإنما يورثون الرجال الذين بلغوا إلى القيام بالأمور العظيمة دون الأطفال والنساء.
ثم قال تعالى: {وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط} وهو مجرور معطوف على المستضعفين، وتقدير الآية: وما يتلى عليكم في الكتاب يفتيكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله كَانَ بِهِ عَلِيماً} يجازيكم عليه ولا يضيع عند الله منه شيء.


{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
اعلم أن هذا من جملة ما أخبر الله تعالى أنه يفتيهم به في النساء مما لم يتقدم ذكره في هذه السورة وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال بعضهم: هذه الآية شبيهة بقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] وقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وهاهنا ارتفع {امرأة} بفعل يفسره {خافت} وكذا القول في جميع الآيات التي تلوناها والله أعلم.
المسألة الثانية: قال بعضهم: خافت أي علمت، وقال آخرون: ظنت، وكل ذلك ترك للظاهر من غير حاجة، بل المراد نفس الخوف إلاّ أن الخوف لا يحصل إلاّ عند ظهور الأمارات الدالة على وقوع الخوف، وتلك الأمارات هاهنا أن يقول الرجل لامرأته: إنك دميمة أو شيخة وإني أريد أن أتزوج شابة جميلة، والبعل هو الزوج، والأصل في البعل هو السيد، ثم سمي الزوج به لكونه كالسيد للزوجة؛ ويجمع البعل على بعولة، وقد سبق هذا في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} [البقرة: 228] والنشوز يكون من الزوجين وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه، واشتقاقه من النشز وهو ما ارتفع من الأرض، ونشوز الرجل في حق المرأة أن يعرض عنها ويعبس وجهه في وجهها ويترك مجامعتها ويسيء عشرتها.
المسألة الثالثة: ذكر المفسرون في سبب نزول الآية وجوهاً: الأول: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الآية نزلت في ابن أبي السائب كانت له زوجة وله منها أولاد وكانت شيخة فهم بطلاقها، فقالت لا تطلقني ودعني أشتغل بمصالح أولادي وأقسم في كل شهر ليالي قليلة، فقال الزوج: إن كان الأمر كذلك فهو أصلح لي.
والثاني: أنها نزلت في قصة سودة بنت زمعة أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يطلقها، فالتمست أن يمسكها ويجعل نوبتها لعائشة، فأجاز النبي عليه الصلاة والسلام ذلك ولم يطلقها.
والثالث: روي عن عائشة أنها قالت: نزلت في المرأة تكون عند الرجل ويريد الرجل أن يستبدل بها غيرها، فتقول: أمسكني وتزوج بغيري، وأنت في حل من النفقة والقسم.
المسألة الرابعة: قوله: {نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} المراد بالنشوز إظهار الخشونة في القول أو الفعل أو فيهما، والمراد من الإعراض السكوت عن الخير والشر والمداعاة والإيذاء، وذلك لأن هذا الإعراض يدل دلالة قوية على النفرة والكراهة.
ثم قال تعالى: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة والكسائي {يُصْلِحَا} بضم الياء وكسر اللام وحذف الألف من الإصلاح، والباقون {يصالحا} بفتح الياء والصاد، والألف بين الصاد واللام وتشديد الصاد من التصالح، ويصالحا في الأصل هو يتصالحا، فسكنت التاء وأدغمت في الصاد. ونظيره قوله: {اداركوا فِيهَا} [الأعراف: 38] أصله تداركوا سكنت التاء وأبدلت بالدال لقرب المخرج وأدغمت في الدال، ثم اجتلبت الهمزة للابتداء بها فصار اداركوا.
إذا عرفت هذا فنقول: من قرأ {يُصْلِحَا} فوجهه أن الاصلاح عند التنازع والتشاجر مستعمل قال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} [البقرة: 182] وقال: {أَوْ إصلاح بَيْنَ الناس} [النساء: 114] ومن قرأ {يصالحا} وهو الاختيار عند الأكثرين قال: أن يصالحا معناه يتوافقا، وهو أليق بهذا الموضع وفي حرف عبد الله: فلا جناح عليهما أن صالحا، وانتصب صلحاً في هذه القراءة على المصدر وكان الأصل أن يقال: تصالحا، ولكنه ورد كما في قوله: {والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً} [نوح: 17] وقوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل: 8] وقول الشاعر:
وبعد عطائك المائة الرتاعا ***
المسألة الثانية: الصلح إنما يحصل في شيء يكون حقاً له، وحق المرأة على الزوج إما المهر أو النفقة أو القسم، فهذه الثلاثة هي التي تقدر المرأة على طلبها من الزوج شاء أم أبى، أما الوطء فليس كذلك، لأن الزوج لا يجبر على الوطء.
إذا عرفت هذا فنقول: هذا الصلح عبارة عما إذا بذلت المرأة كل الصداق أو بعضه للزوج أو أسقطت عنه مؤنة النفقة، أو أسقطت عنه القسم، وكان غرضها من ذلك أن لا يطلقها زوجها، فإذا وقعت المصالحة على ذلك كان جائزاً.
ثم قال تعالى: {والصلح خَيْرٌ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الصلح مفرد دخل فيه حرف التعريف، والمفرد الذي دخل فيه حرف التعريف هل يفيد العموم أم لا؟ والذي نصرناه في أصول الفقه أنه لا يفيده، وذكرنا الدلائل الكثيرة فيه.
وأما إذا قلنا: إنه يفيد العموم فهاهنا بحث، وهو أنه إذا حصل هناك معهود سابق فحمله على العموم أولى أم على المعهود السابق؟ الأصح أن حمله على المعهود السابق أولى، وذلك لأنا إنما حملناه على الاستغراق ضرورة أنا لو لم نقل ذلك لصار مجملاً ويخرج عن الإفادة، فإذا حصل هناك معهود سابق اندفع هذا المحذور فوجب حمله عليه.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: من الناس من حمل قوله: {والصلح خَيْرٌ} على الاستغراق، ومنهم من حمله على المعهود السابق، يعني الصلح بين الزوجين خير من الفرقة، والأولون تمسكوا به في مسألة أن الصلح على الإنكار جائز كما هو قول أبي حنيفة، وأما نحن فقد بينا أن حمل هذا اللفظ على المعهود السابق أولى، فاندفع استدلالهم والله أعلم.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: هذه الجملة اعتراض، وكذلك قوله: {وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح} إلاّ أنه اعتراض مؤكد للمطلوب فحصل المقصود.
المسألة الثالثة: أنه تعالى ذكر أولاً قوله: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا} فقوله: {لاَّ جُنَاحَ} يوهم أنه رخصة، والغاية فيه ارتفاع الإثم، فبيّن تعالى أن هذا الصلح كما أنه لا جناح فيه ولا إثم فكذلك فيه خير عظيم ومنفعة كثيرة، فإنهما إذا تصالحا على شيء فذاك خير من أن يتفرقا أو يقيما على النشوز والإعراض، أما قوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح}.
فأعلم أن الشح هو البخل، والمراد أن الشح جعل كالأمر المجاور للنفوس اللازم لها، يعني أن النفوس مطبوعة على الشح، ثم يحتمل أن يكون المراد منه أن المرأة تشح ببذل نصيبها وحقها، ويحتمل أن يكون المراد أن الزوج يشح بأن يقضي عمره معها مع دمامة وجهها وكبر سنها وعدم حصول اللذة بمجانستها.
ثم قال تعالى: {وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} وفيه وجوه:
الأول: أنه خطاب مع الأزواج، يعني إن تحسنوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وتيقنتم النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والتقوى خبيراً، وهو يثيبكم عليه.
الثاني: أنه خطاب للزوج والمرأة، يعني وأن يحسن كل واحد منكما إلى صاحبه ويحترز عن الظلم.
الثالث: أنه خطاب لغيرهما، يعني أن تحسنوا في المصالحة بينهما وتتقوا الميل إلى واحد منهما.
وحكى صاحب الكشاف: أن عمران بن حطان الخارجي كان من أدم بني آدم، وامرأته من أجملهم، فنظرت إليه يوماً ثم قالت: الحمد لله، فقال مالك؟ فقالت حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد الله بالجنة عباده الشاكرين والصابرين.

30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37